كشاب في مقتبل العمر و بحالة إجتماعية جديدة ( خاطب ) العمل بالنسبة لي من متطلبات و أساسيات الحياة ، و مع بداية العام الدراسي الجديد لدي صديق مقرب وضعه مثل وضعي متبقي له عام على التخرج و كان ما فعله شيء لم يخطر لي على بال هو أن قدم إعتذار عن السنة الدراسية لتأجيلها كي يتفرغ للعمل ثم يكمل تعليمه في العام المقبل لكن بعد أن يثبَت في عمل يضمن له الحياة ، لا أعرض ما فعله موضع نقد بل على النقيض أنا أحترمه و أحترم قراره القائم على كثير من التضحيات ما ظهر منها لنا و ما بطن عنا و لكن أعرض الموقف متأملاً وعي هذا الشاب لمبدأ التضحية من أجل الوصول لشيء منشود فقد أرى أخرين يرفضون العمل لأن ( الشغلانه مش جايبه همها ) منتظرا بعد تخرجه من الكلية أن ينصَب مدير عام أو بمرتب مدير عام دون النظر ماذا سيقدم، و أنا أيضاً لا أنتقد طلباتهم فبعملية حسابية بسيطة ستكتشف أن مع متطلبات عصرنا الحديث بأسعارها الحديثة مرتب مدير عام ببضع ألاف قد لا يكفي أن تبني حياة دون مساعدة زويك إلا بعد ما يقارب العشر سنوات فقد أصبحنا جيلا غنيًا في بيته فقيرا في نفسه فقد يسميه البعض " عصر الأباء " و يسميه الأباء " جيل تايه أو مفقود " *، لا أعرف حلاً سحرياً لمعضلة جيل أعيشها معهم مع موقف هو أيضا منتشر و هو العمل بعمل الأب الذي قد يكون خارج دراستك أو ما قد رسمته لنفسك و هناك من يعمل للخبرة دون المال أملاًً في حظ أفضل مع عمل أخر و هناك و هناك و هناك و لم أعرض صور للمفاضله أو الإنتقاد ففي كل صورة قرر أحدهم أن يأخذ قراره بما يضحي من طموح أو وقت أو مال و دراسته أو ربما قرر أن يضحي بمن يحب أملاً أن يصل لشيء ليس في متناول يده القريب ولربما حدث في البعيد أو لن يحدث فكان كل قرار من أحزان هذا الزمان و مع كل هذه الصور أنتقد واحد فقط و هو من لديه الصحة و الشباب و يعمل ( منادي ) في تنظيم السيارات راجياً بعض الجنيهات التي مع الوقت أصبح لل ( ركنة تسعيرة ) على حسب المنطقة و ( الرجل عليها ) فأصبحت مربحة بمرتب " مدير عام " دون مبالغة فإن عُرض عليه عمل كريم رفضه لأنه و إن كان ألف جنيه ربما كان هذا ثلث ما يجنيه حالياً أو أقل، و لن أطيل في إنتقاد هذا الموقف فله أيضا من أسباب و مشاكل الحياة ما له فيستوقفني الفعل لا الشخص الذي ( يستسهل ) فلا ألومه ما دام هذا ما يفعله معظمنا فما أن أراه حتى أتذكر كتاب للكاتب الراحل " يوسف إدريس " بعنوان " فقر الفكر و فكر الفقر " للأسف لم تتح لي الفرصة أن أكمله حتى الأن و لكن تستوقفني كلمته فيما قال : " الفقر مرض يصيب الإقتصاد و يصيب العقول و يصيب الخيال أيضاً " و هو يوضح ما وصلنا إليه من فقر في الأفكار مؤدية لفقر في الإنتاج الذي بدوره يؤدي لفقر الإقتصاد لفقر في الفكر فنحوم حول أنفسنا في حلقة مفرغه الذي جعل معظم ما نراه حولنا نسخ من مسخ أفكار تنتشر للإختلافها الذي يلقى رواجاً لملل الناس و عزلتهم الإختيارية- الإجبارية التي خلقتها التكنولوجيا الحديثة التي توضح لنا كيف أصبحنا شعب مستهلك للأفكار منتظرا العلم يبدعه له أخرين في جهاز أو شيء و يعطيه لنا أو لا يعطيه وفقاً الموقف و ما يقتضيه أما ما نبدعه فيكون في حمل طفل صغير على كتفك أثناء ( الشحاته ) لشحذ تعاطف قد يجنيك أكثر و في بكاء بدموع التماسيح تجذب لك أنظار الناس و أموالهم و أفلام تخاطب النصف السفلي، فهذا هو فكر الفقر و هناك حولنا نرى فقر فكر و فقر فن و فقر إبداع في وقت نحن أمس الحاجة فيه لإستغلال للمواهب و الأفكار لخلق فكر جديد يناسبنا ليس مما نستهلكه من هوجة كل ما هو موضة تختفي بنفس سرعة ظهورها لإختلافها الشديد عنا كأن تلبس ثوب لا يناسب مقاسك فتتوالى الإختراعات الكسوله كي تدر المال القريب دون بصيرة لبعيد خالقين ( شماعة ) نعلق عليها مشاكلنا و نخلق أعداء وهمين لنادري عيوبنا بدل مواجهتها رغم أن عدونا هو نحن بجهلنا فليس هناك عدو أكبر منا لأنفسنا غير أنفسنا و إدعائنا للمعرفة دون تقبل نقد فنتوهم النجاح منتظرين أن يقدم لنا على طبق من ذهب دون تعب فيما قد يكون الحل في مواهب دفناها في رحلة السعي وراء المال الذي لن يسير تدفقه دون فكر يحافظ على تجديد مصادره بل و خلق سبل جديدة بفكر متأصل لنا كي نحيك ثوباً يناسب مقاسنا بالعمل و الإجتهاد و فكر و ثقافة ..
علـي صيـام
علـي صيـام
* Lost Generation مصطلح للكاتب إرنست همنجواي أو ظهور للمصطلح في كتاب " The sun also rises " ثم في "Moveable
feast "